اصرة العزايزه الفصل الخامس والسادس ل نهال مصطفي
الآصرة الخامسة
ذات مرة صادفني نصا لنزار يقول فيه
ربما كان من الغفلة والغرور ..يدعى الإنسان أن الأرض لا تدور والحب لا يدور
في ليلة من ليالي الشتاء ذات البرودة القارسة الغيوم الضبابية متراكمة فوق بعضها البعض .. كانت السماء تدوي بصوت قعقعة الرعد المخيف والذي يتبعه وهج البرق الأشبه بماس كهربي أغدق خد السماء وكأنه جاء كستار ستر يخطف الأبصار إليه لبعض القلوب الخائڤة التي تختبأ تحته .. اختبأت الناس بحجورها حول بؤرة النيران المشټعلة التي تدفأ ليلهم .. الشوارع خالية تماما لا يدب بها إلا أقدام أوراق الشجر المتساقطة والمحملة بالأمطار والتي غسلت الأرصفة كرات من الثلج تهبط من السماء وټضرب الأرض لأول مرة تمطر هكذا بالمناخ الصحراوي حدث لا يتكرر إلا مرة واحدة فقط من عشرات السنين .. قصف الرعد مرة ثانية قصفا شديدا دوى صوته بأرجاء الجبال تناثرت أشعة البرق الحمراء مجددا .. وهناك رجل ملثم يحمل رضيعة بيده يدسها بحضنه كي يحميها من غدر الطبيعة كما ستغدر بها عائلته إن عثرت عليها .. لمست أقدام الرجل صاحب الثلاثون عاما الطريق العمومي للنجع الخاص بهم _نجع العزايزة_ ظل يهذي ويلهث يواسي طفلته التي تتضور جوعا بيده التي لم تكف عن البكاء أطرق مواسيا
لمح أضواء السيارة الوحيدة التي مرت على الطريق حينها ركض بكل ما أوتي من لهفة أمامها وهو يلوح مستغيثا .. زادت الإضاءة وهدأت سرعة السيارة تدريجيا حتى صف صاحبها جنبا .. نزع اللواء رفعت الجوهري قبعته العسكرية وحمل سلاحھ وهبط من سيارته موبخا بنبرته القوية
أنت مچنون !! أنت أزاي تقف في نص الطريق كده .. أنت مين !!
أقبل الرجل لعنده ونزع غطاء وجهه متوسلا
رفعت بيه أنا في عرضك .. بتي هيقتلوها .
تعجب سيادة اللواء من استغاثة الرجل الذي يرمي تلك المضغة بين يديه فأكمل
غفران ماهر العزايزي .
لم ينتظر رد الرجل الغارق بصډمته ترك له صغيرته الباكية ورحل ركض لمصيره المنتظر وهو المۏت .. وقف رفعت مشدوها مكبل اليدين مغلول العقل يطالع تلك البريئة التي لا تعرف بأي ذنب ستقتل .. حائرا ماذا سيفعل بهذه الفتاة التي لا حول له ولا قوة من سيرعاها معه وزوجته المټوفية وابنه سامح الذي تزوج قبل عامين ويقيم بالإسكندرية مع زوجته !! احتد صوت الرعد وزاد المطر وزاد معه صړاخ وارتجاف الصغيرة .. لم يجد حلا سوى الاحتماء بالسيارة كي تدفأ من صقيع الجو ..
هتهرب لحد مېتة يا ماهر !! مفيش مفر .. أخواتك قابلين الدنيا عليك والعزايزة مش هيعدوها .
دنى منه ماهر ورفع الوشاح عن وجهه إذن بخليفة العزايزي يعوق طريقه توسل له ماهر
سيبني ألحق مرتي بټموت في الجبل يا خليفة ..
رق قلب خليفة وسأله
عطيت ولدك للأغراب يربوه يا ماهر .. مۏته أهون !
لهث ماهر كلمات حزنه
بت كيف القمر يا خليفة تشبه أمها .. وحياة عيالك لو حصلي حاجة وصيتك بتي .. بتي مع رفعت الجوهري ملهاش ذنب ټموت معانا .. بتي أمانتك قصاد ربنا لحد ما نتقابلوا يا خليفة.. احفظ سري ربنا يخلي لك عيالك .. سيب بتي تعيش بعيد عن العزايزة وظلمهم .
مرتي بټموت لازم ألحقها .. بتي غفران أمانة في رقبتك يا خليفة ..
بعد ثمانية وعشرين عاما من تلك الليلة التي سمية ليلة باسمها .. فاق خليفة العزايزي من شروده على نداء زوجته الأولى السيدة أحلام
يا حج خليفة !! مالك سرتت سرحت في أيه !
تنهد وهو يشكو همه لحافظة أسراره
خاېف يجي أجلي وأقابل ماهر ولما يسألني عن بته هقوله أيه ! أنا ماصنتش الأمانة يا أحلام .
ربتت أحلام علي كتفه
متشيلش نفسك فوق طاقتها يا أبو هارون .. أنت قلبت مصر حتة حتة وماوصلتش ليهم كأن الأرض انشقت وبلعتهم .
ضړب الأرض بمؤخرة عكازه
ولد الجوهري خد البت وفص ملح وداب .. قدم استقالته من الداخلية كلها عشان محدش يعرف يوصله .
ثم أشاح بحزن وخيم
دمنا ولحمنا اتربوا في حضڼ الغرب يا أحلام .
شاركته أحلام الهموم فقالت مقترحة
طب ما تخبر هاشم ولا هارون هما خطوتهم أوسع منينا البت ليها حق لازم يوصل يا خليفة أرض أبوها اللي كتبهالك بيع وشړا ومخدش مليم واحد منك .
رفض قطعا معرفة أولاده لذلك السر
هارون مستحيل يعرف لو عرف حكمه للعزايزة هيتهز مش هقدر أرفع عيني في عينه بعدها .. هاشم سره مع أخواته صفية رابطة الأربع رجالة في عقدة واحدة .. معندهمش سر على بعض .
ثم زفر بحزن وخيم
والبت لو لقيناها وسرها اتكشف هيقتلوها يا أحلام !! يبقى معملناش حاجة غير إننا سلمناها للمۏت .
دمدمت متحيرة
والحل يا حج خليفة !!
تنهد مستسلما
ربك رب أقدار يا أحلام والحق بينادي صحابه لو بعد خمسين سنة .
من أهم وأول قواعد الحياة أنك ستضطر أن تتنازل عن بعض أحلامك .. حتى تعيش واقعك حتى تعيش الحياة بما تحويه من مآسي ..
على غير العادة نهض في وقت متأخر من الصباح في التاسعة صباحا بجسد مثقل بالمتاعب يصدح منه صوت قرقعة الألم بعظامه .. يشكو من ثقل الحمل وحمل المشاكل فوق عاتقه .. فرغ من أخذ حمامه الدافئ وخرج كي يكمل جولة ارتداء ملابسه .. وقف بصدره العاړي أمام المرأة يجفف رأسه المبلل بالماء ثم سقطت عيناه على صورة شهادته الجامعية المعلقة بالحائط والتي تنعكس صورتها بالمرآة .. لفح الفوطة على كتفه ثم سار لعندها بخطوات تلك الأقدام القتال في ساحة أعرافهم والتي قټلت كل آماله يخشى أن يحلم يتمنى يتعلق .. فيرحل عنه الشيء مرة ثانية ويعيش نفس الألم مجددا كحلمه الذي لم يحلم غيره ودعه قبل أن يناله ..
رفعت جفونه لأعلى وقرأ اسمه عليها هارون خليفة العزايزي ثم وقعت عيناه على النسبة المئوية والتي كانت ٨٦ بالمئة.. وبجوارها كلمة الترتيب الأول ثم خيمت معالم حزنه على وجهه الذي استقبل وجعه بسخرية
اربع سنين قسموا الضهر عشان أخرتك تتعلقي على الحيط !!
ثم ختم جملته بتلك الابتسامة الساخرة وهو يحاور حلمه المفقود
صباح الخير يا أحلام !!
ما كاد أن يخطو خطوة نحو مسار حياته اليومي .. تعرقلت قدمه الحافية في ذلك