وبقي منها حطام انثي بقلم منال سالم وياسمين عادل
المحتويات
أن توافق رفيقتها على عرض مالك بالزواج منها لكنها خالفت كل توقعاتها ورفضته ببساطة ..
خرجت مسرعة لتستفهم من أخيها عن سبب إعتراضها فتركها ورحل دون أن يعطيها أي مبررات ..
.................................
هب عمرو منتفضا من مكانه حينما سردت عليه والدته تحية ما فعلته مع السيدة ميسرة ..
تلفت حوله غير مصدق ما سمعه توا وهتف بذهول
أجابته تحية بهدوء
ايوه يا بني هي عدت عليا من شوية وكتبتلي ورقة فيها العنوان
تساءل عمرو بتلهف وهو يمد يده نحوها
فين الورقة دي
أخرجت والدته ورقة مطوية وضعتها بداخل طيات صفحات أجندة الهاتف لكي لا تضيع ثم أعطته إياها ..
أخذها منها عمرو ونظر إلى العنوان المدون بها وابتسم بسعادة وهو يردد
ردت عليه والدته بنبرة دافئة
إن شاء الله يا حبيبي هايكون خير وربنا هيعوضك ويكرمك باللي نفسك فيه !
ورغم فرحته الظاهرة على وجهه إلا أن شعورا مزعجا كان ينتابه حينما يفكر في ردة فعل مالك ..
فالماضي مازال يقف حاجزا بينهما ....
انتبه كلاهما إلى صوت غلق باب المنزل فدققا النظر في إيثار التي انتجهت إلى غرفتها دون أن تلقي عليهما التحية ..
هي مالها
ردت عليه بقلق
مش عارفة يا بني تلاقيها بس تعبانة في الشغل
تحرك عمرو في اتجاه غرفتها مرددا بجدية
أنا رايحلها !
اعترضت تحية عليه قائلة
طب سيبها شوية تكون ارتاحت وبعد كده خشلها
رد على إمتعاض
حاضر يا ماما هاسيبها شوية وبعد كده هاتكلم معاها
ألقت إيثار بنفسها على الفراش ودفنت رأسها في وسادتها لتبكي بحړقة على ما حدث ..
لامت نفسها على رفضها لطلب حبيبها بالزواج ..
لكن ما منعها من القبول هو إحساسها بأنه يشفق عليها .. بأن حبه لها لم يعد خالصا بل شاركته فيه غيرها وتمتعت بأحضانه الدافئة .. وهي التي كانت تعاني الويلات والقسۏة مع غيره ..
لقد ظلمها مثل غيره وتوقع بسهولة أن ترضخ مستسلمة لعرضه ..
لم تكن لتقبل بإهانة كرامتها أو كبريائها ..
لكن قلبها .. ذلك الشيء النابض الذي يرفض مقاومتها لتيار مشاعر الحب الصادقة .. أبى أن يستسلم لهواجسها .. وذكرها بحب حقيقي نابع من أعماق الفؤاد ..
وأجبر عقلها على تذكر تلك اللحظات الماضية بينهما ..
لقاءات حفرت في ذاكرتهما ذكريات جميلة كانت سندها في أحلك الأوقات ..
ها هي تضعف من جديد ..
ټنهار حصونها أمام سيل حبها الجامح له ..
هي لم تكرهه بالفعل .. هي تبغض الظروف التي أجبرتهما على الفراق ..
.......................................
حالة من الوجوم سيطرت عليه طوال اليوم وهو يحاول استنباط سبب رفضها له ..
وضع يديه على رأسه ليضغط عليها بقوة بعد أن أنهكه التفكير المتعمق ..
أرخى يديه إلى جانبيه وسحب نفسا عميقا من هواء البحر الذي يشكو إليه دوما همومه ..
زفر بإنهاك وحدث نفسه بيأس
طب أعمل ايه عشان توافق !
ركل رمال الشاطيء بقدمه بعصبية ثم تابع بضجر
ليه تعباني معاكي ليه !
تخيل صورتها تتجسد أمامه على أمواج البحر
المتلاطمة وضحكاتها الرقيقة تتشكل لتأثره أكثر بغمازتيها البارزتين فظهر شبح ابتسامة باهتة على محياه .. وتنهد قائلا
إيثار !
......................................
ظلت حبيسة غرفتها لفترة طويلة .. شاردة حزينة أوجاع قلبها تفتك بما تبقى من روحها المنهكة ..
سمعت دقات خفيفة على باب غرفتها فنهضت بتثاقل من على الفراش وكفكفت أثار عبراتها من وجنتيها ..
فتحت الباب وحدقت في وجه أخيها بشحوب ..
نظر لها بإشفاق وسألها بهدوء
ليه أعدة لوحدك
ردت عليه بفتور وهي توليه ظهرها
ماليش نفس لحاجة
سار خلفها وسألها بتوجس وهو يراقب تصرفاتها الغير مكترثة
في حد ضايقك في شغلك حد اتعرضلك !
لم تستطع البوح له بما يجيش في صدرها .. هي لا تريد أن يتشارك أي أحد همومها .. لا ترغب في أن تكون عبئا على أحد حتى لو كان أخيها .. لذلك ابتلعت غصة مريرة عالقة في حلقها وأجابته بإرتباك قليل
ه.. آآ.. لأ
تحرك عمرو ليقف قبالتها ثم وضع يديه على ذراعيها وهزها قليلا وهو يتابع بجدية
إيثار أنا عاوزك تثقي فيا أنا عمري ما هاعمل أي حاجة تضرك أو تأذيكي اديني بس فرصة وأنا هاثبتلك إني اتغيرت بجد !
ابتسمت له وهي ترد عليه بتأكيد
عمرو .. أنا مصدقاك والله مش محتاج تثبت حاجة ليا !
سألها مجددا بإلحاح
طب قوليلي مالك ايه اللي مغير احوالك كده ومضايقك !
ردت عليه بإقتضاب وهي تطلق تنهيدة قصيرة
مافيش ..
أيقن عمرو أن أخته لن تتحدث بسهولة فابتسم بتهذيب وهو يضيف
عموما أنا موجود لو حابة تفضفضي معايا !
بادلته إبتسامة ودودة وهي ترد عليه
ربنا يخليك ليا !
تحركت ناحية فراشها وجلست على طرفه فتابعها أخيها بنظراته ثم هتف فجأة بحماس
أنا عاوز أقولك على حاجة
رفعت رأسها لتنظر إليه متساءلة
ايه هي
ظهرت ابتسامة عريضة على محياه وهو يجيبها بغموض
مش هاتصدقي ماما قالتلي ايه النهاردة
سألته إيثار بفضول
خبر يفرح !
رد عليها بنبرة شبه حائرة وهو يحك مؤخرة رأسه بيده
هو لحد الوقتي مش باين إن كان يفرح ولا لأ بس إن شاء الله خير !
نظرت له بإهتمام فتابع هو قائلا بهدوء حذر
المهم ماما قالتلي إن مالك أخو روان وافق يقابلني
اتسعت مقلتيها في صدمة غير متوقعة وارتفع حاجبيها للأعلى بذهول وهتفت غير مصدقة
ايه !!!!!!
أكمل عمرو قائلا بحذر
منتظرني بكرة عنده فادعيلي !
ارتبكت أكثر مما قاله أخاها .. فهب لا تدري ردة فعله تجاهه بعد أن رفضته .. تخشى أن يعاقبه لقرارها ..
عضت على شفتها السفلى وهمست بتوتر
آآ.. ربنا يكرمك !
حاول عمرو أن يرفع الحرج عن أخته خاصة أن للموضوع أذيال متعلقة بالماضي .. وتابع بهدوء
يا رب أمين عاوز دعوة محترمة من القلب مش هوصيكي !
ردت عليه بصوت فاتر
أكيد !
أدمعت عيناها عقب حديث أخيها الجاد حول ما ينتوي فعله مع عمرو بداخل غرفتها ..
كانت تريد أن تسير الأمور بسلاسة ويحدث الإرتباط بينهما دون أي تعقيدات ..
لكنه أراد أن يلقن عمرو درسا .. ليعرف كيف يمكن أن يقهر قلبا ويفسد حياة بأسرها بسبب تعنت مجحف وظلم جائر ..
احتضن مالك وجه أخته براحتيه بعد أن جثى على ركبتيه أمامها وباشر حديثه قائلا بإبتسامة صغيرة
والله ده لمصلحتك صدقيني أنا عمري ما هضرك ولا هاخلي حد يجرحك بس لازم يستحمل عشان يعرف إنك تستاهلي التعب والټضحية !
نظرت له في صمت بعينيها الباكيتين ولم تستطع أن تعقب عليه ..
فبماذا تخبره هل تفضح نفسها وتقول أن قلبها تعلق به بالفعل وأحبه وباتت ترسم أحلاما وردية معه أم تكتفي بالصمت وكتم أحزانها داخل صدرها وتعاني من عڈاب الحب بمفردها
شعر مالك بتخبط مشاعر أخته الصغرى وأجبر نفسه على القسۏة قليلا معها من أجلها هي ..
ابتسم لها مجددا ومسح عبراتها من على وجنتيها بأنامله ثم اعتدل في وقفته .. وتركها وانصرف دون أن يقول بالمزيد فهو لا يريد وضعها في موقف صعب .. لذا أسلم شيء تركها الآن ...
مالت هي على جانب فراشها وأجهشت بالبكاء الحارق فاستمع هو إلى صوت شهقاتها التي لم تستطع إخفاؤها وهو يقف في الخارج مستندا على الحائط ....
أطرق رأسه أسفا وحدث نفسه بجمود
بكرة هتشكريني على ده !
رحل مسرعا قبل أن يلين قلبه تعاطفا معها .....
...................................
لحظات مرت عليه وكأنها دهر وهو ينتظر بترقب شديد حضور مالك إلى الصالون ..
استقبلته راوية ودعته للجلوس وأحضرت له مشروب بارد ..
ظل يتلفت حوله ليتأمل المكان بإنبهار واضح عليه ..
أثاره الفضول ليعرف كيف استطاع مالك خلال تلك الفترة القصيرة أن يحقق كل تلك النجاحات في عمله ليتمكن من شراء فيلا كهذه ويؤسس شركة مميزة بدأ اسمها في الظهور بقوة في الأوساط التجارية ..
كانت إيثار قد أخبرته من قبل عن عملها معه كمربية لطفلته
الصغيرة لكنها لم تخبره عن أي تفاصيل تخص حياته الشخصية ..
قطع تفكيره المتعمق صوت مالك الرخيم وهو يقول
سوري على التأخير
نهض عمرو
واقفا من مكانه ومد يده ليصافحه لكنه تجاهله عمدا ونظر له شزرا ثم حل زرار سترته وجلس ببرود على الأريكة ..
شعر عمرو بالحرج الشديد وكور يده الممدودة إليه ثم أبعدها بخزي ..
أشار له مالك بعينيه ليجلس فتمالك الأخير أعصابه كي لا يثور ..
عليه أن يتعامل بهدوء معه حتى يحقق مبتغاه ..
وضع مالك ساقا فوق الأخرى وانتصب في جلسته وسأله بجمود وعينيه مسلطتين عليه
خير !
تنحنح عمرو بصوت خفيض ثم رسم ابتسامة واثقة على ثغره وهو يقول بحذر
أنا .. أنا كنت جاي النهاردة عشان آآ..
قاطعه مالك قائلا بجدية آمرة
خش في الموضوع على طول أنا معنديش وقت أضيعه !
اكتسى وجه عمرو بحمرة واضحة وبدت عروقه في البروز .. ولكنه استنذف كل طاقاته في السيطرة على انفعالاته .. ورد عليه بهدوء حذر
أنا عاوز أخطب روان !
أنزل مالك ساقه ونظر له بإستهزاء قبل أن يسأله ببرود
وايه اللي يخليني أوافق عليك إنت بالذات !
ازدرد عمرو ريقه بصعوبة وشعر بالإهانة الصريحة في عبارته الأخيرة .. وتشدق قائلا بثبات
لأني .. بأحبها
قهقه مالك عاليا ليستفزه أكثر ثم أشار له بإصبعه وهو يرد بتهكم
إنت .. بتحب ! لأ حقيقي نكتة ظريفة
احتقن وجه عمرو بالډماء الغاضبة وانفعل قائلا
أنا مش جاي أقول نكت هنا
تجهم وجه مالك فجأة وقست تعابيره واحتدت نظراته وهو يقول بصوت قاتم
وأنا مش موافق على طلبك !
انقبض قلب عمرو بشدة وشعر بأن روحه على وشك أن تنتزع منه .. فتساءل بنزق محاولا فهم سبب الرفض وإن كان يعرفه مسبقا
ممكن أعرف ليه
التوى ثغر مالك بتهكم شديد وأجابه بجفاء
أكيد إنت شايف المستوى اللي اختي عايشة فيه الوقتي إزاي عاوزني أرضى أجوزها واحد زيك فقير محلتوش حاجة !
ابتلع عمرو الإهانة ودافع عن نفسه قائلا بقوة
الفلوس مش كل حاجة وأنا قادر أعيشها في مستوى معقول يكفيها ويخليها مستورة !
ضحك مالك مستهزئا به.. ثم رد عليه بسخط ونظراتها الإحتقارية مسلطة عليه
إنت اللي بتقول كده طب ما هو زمان أنا كنت قصادك والفلوس كانت عندك كل حاجة ولا .. ولا نسيت يا أستاذ عمرو .. !
أظلم وجه عمرو بشدة وتلونت عيناه بحمرة متعصبة .. فقد كان مالك على حق .. هو بالفعل أهانه بالماضي وحقر من شأنه بل إنه تعمد جرحه ليشعره بدونيته .. واليوم يرد له الصاع صاعين
فلماذا يتعجب .. فهذا ما جنته يداه !
استرخى مالك في جلسته وأكمل حديثه بسخرية مريرة
حقيقي سبحان الله الزمن فعلا بيعيد نفسه ! مين يصدق إن عمرو بيه بغروره وعنجهيته يقعد النهاردة قصادي يطلب ايد أختي لأ ومستني مني أوافق عليه !
لم يستطع عمرو تحمل المزيد من التجريحات والإهانات فهب واقفا وصاح محتجا بعصبية وهو يشير بإصبعه في وجهه
انا مش عاوز اهانة
متابعة القراءة